سوريا بعد الأسد- الجولاني.. بطل أم إرهابي جديد؟

المؤلف: علي صالح الضريبي10.28.2025
سوريا بعد الأسد- الجولاني.. بطل أم إرهابي جديد؟

في غمرة تصفّحي للأخبار العالمية أول أمس، وتحديداً تلك المتعلّقة بما أراه "حدثاً تاريخياً فارقاً" -ألا وهو سقوط نظام بشار الأسد في سوريا على يد الثوار، ممّا يمثّل نهاية حقبة "البعث" أو بالأحرى "العبث" العربي، وتسلّم أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) مقاليد الأمور- لمحتُ عنواناً رئيساً في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، يقول بتصرّف: "فجر جديد يسطع في سماء سوريا بعد إزاحة بشار الأسد على يد الثوّار".

هذا العنوان استفزّ ذاكرتي القريبة، وأعادني إلى عنوان مشابه قرأته في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية إبّان الاجتياح السوفيتي لأفغانستان، حين بزغت الجماعات الجهادية بقيادة أسامة بن لادن، حيث تصدّر الصحيفة عنوان ضخم مصحوب بصورة بن لادن وهو يبتسم، ومفاده: "مقاتل شرس ضد السوفييت يقود جيشه نحو درب السلام".

تزاحمت الأسئلة في ذهني، ورغبت بشدّة أن أتقاسمها مع القرّاء الكرام، بدلاً من الانغماس في "تحليلات استشرافية للمستقبل" و"جزميات" مبنية على مقولة "إنما أوتيته على علمٍ عندي"، التي يتبنّاها للأسف غالبية المحلّلين العرب!

هل حقاً التاريخ يعيد نفسه بكل تفاصيله؟ وهل يا ترى، تلك الشخصيات التي تسعى الصحافة الغربية إلى "تجميل صورتها" اليوم، مستخدمةً عبارات مثل "مناضل من أجل الحريّة.. يقود مسيرة السلام.. ثوّار أبطال"، ستتحوّل غداً إلى "شياطين رجيمة" تُوصَف بأوصاف مثل "إرهابي.. عصابات إرهابية.. ناشر للإرهاب والعنف"، وذلك لعلمها المسبق بتعقيدات "اللعبة السياسية" وتبدّلاتها المفاجئة؟ وهل وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في "هيئة تحرير الشام" نسخة جديدة من حركة "طالبان"؟ السيناريو يبدو متطابقاً إلى حد كبير بين الماضي والحاضر.. حرب باردة ضروس بين أمريكا وروسيا، انطلقت شرارتها في أوكرانيا بهدف استنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً، ثم الانقضاض عليها سياسياً في سوريا (التي تمثّل أفغانستان اليوم).. هل ستكون سوريا منطلقاً لـ "توسيع خريطة إسرائيل الكبرى" كما بشّر ووعد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؟ هل سيتمكن أبو محمد الجولاني من دحض هذه السيناريوهات التاريخية والأمريكية عبر قيادة جهود وطنية جامعة لبناء دولة سورية مدنية عصرية، تنهض من تحت الرماد كطائر الفينيق الأسطوري -الذي تعود أصول أسطورته إلى سوريا تحديداً!-؟ وهل سيطغى جوهر خطابه العصري والمطمئن جداً لكافة أطياف الشعب السوري والعالم أجمع -والذي تضمّنته مقابلته الأخيرة مع شبكة الـCNN الإخبارية- على مظهره السلفي؟ هل الجولاني حقاً قائد سوري وطني متجرّد، لا يضع نصب عينيه سوى مصلحة سوريا العليا؟ أم أنه مجرّد "منتج أمريكي مُعلّب"، خرج من بين أروقة ما أسماه الصحفي الأمريكي الاستقصائي الشهير "تريفور آرونسون" في كتابه "مصنع الإرهاب The Terror Factory: من داخل عقلية الـ(إف بي آي) في كيفية تصنيعها للإرهاب والإرهابيين"؟

وسؤال أخير يلحّ على ذهني.. هل ستنجب سوريا "المعجزة العربية السابعة"؟، على غرار محمد نجيب (مصر)، وعبدالرحمن الأرياني (اليمن)، وفؤاد شهاب (لبنان)، وعبدالرحمن سوار الذهب (السودان)، وولد أحمد الولي (موريتانيا)، والمنصف المرزوقي (تونس).. بأن يكون سابع رئيس عربي يتنازل عن سدّة الحكم طواعيةً وبسلام، وذلك بعد فترة انتقالية دقيقة وحساسة؟

كل ما طرحته آنفاً ما هي إلاّ أسئلة مشروعة وهامة للغاية، لفهم السياق المحتمل لتداعيات ما سيحدث في سوريا ما بعد حكم الأسد.. والأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة عن هذه التساؤلات بدقّة ووضوح.

وقبل أن أختم، فإنّ الإطاحة بنظام الأسد الذي جثم على صدور السوريين وخيرات سوريا لمدّة تجاوزت النصف قرن، يُعتبر في حد ذاته نصراً عظيماً، ودافعاً كبيراً للتفاؤل بمستقبل سوري أكثر إشراقاً وازدهاراً، وهذا ما نتمناه من صميم قلوبنا لسوريا ولجميع أبنائها.

وفي الختام، أتمنى من كل قلبي ألّا تتكرّر في سوريا "القصة التراثية العربية" الشهيرة والمألوفة، والتي للأسف الشديد تجسّدت -وتحقّقت- بشكل قطعي في كل من ليبيا والعراق واليمن، وهي قصة ذلك الحاكم العربي المستبد، الذي أوصى ولي عهده وهو على فراش الموت، بأن تسير جنازته في خط مستقيم لا يميل، وإذا ما اعترض طريقها أي عائق، فعليه إزالته مهما كان، سواء أكان بيتاً أو متجراً أو غير ذلك.. وعندما وافت المنية الحاكم الظالم، سارع الابن إلى تنفيذ وصيّة والده بحذافيرها أثناء تشييع الجنازة، فهدم العشرات بل المئات من المنازل والمتاجر التي اعترضت مسار الموكب.. وعندها علا صراخ الناس: "رحم الله الأب، لقد كان أرحم بكثير من ابنه!".

فأدعو الله عزّ وجلّ ألّا يترحّم أهل سوريا في الأيام القادمة على "جحيم الأسد"، بعد أن ينقشع ضباب "نعيم الجولاني" الموعود، ويكشف لنا عن "جحيمٍ آخر" من نوع جديد.. اللهمّ أبعد عنّا هذا المصير، ولا تجعل فالنا كفال ليبيا والعراق واليمن!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة